خطبة عن العيد

الخطبة الأولى
• الحمد لله خالق الليل والنهار.
• الحمد لله الذي أتم لنا شهر رمضان، وجعلنا فيه من أهل الصيام والقيام.
• الحمد لله الذي جعل لنا عيداً أهل الإسلام.
• الحمد لله حمد الشاكرين العارفين العابدين.
• أحمده سبحانه وتعالى عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عنه الغافلون.
وأصلي وأسلم على الحبيب المصطفى والنبي المجتبى وعلى آله وصحابته أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاليوم يوم الفرح والسعادة والحبور
• اليوم يوم الجوائز والمنائح للعابدين.
• اليوم تاج على رأس الصيام لا يجمل ولا يحلى إلا به.
• اليوم ضيافة الرحمن وفضله ورحمته.
• قال تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58]
وإن من رحمته أن أبقاك الله حتى صمت رمضان.
وإن من رحمته أن قمت وقراءة وصليت.
فمن وفقه الله لرحمته وأخذ منها بنصيب فهذا هو الفرح الذي لا يعدله شيء ولو جمعت للمرء الدنيا بحذافيرها.
ولنعلم إنما وفقك الله لطاعته بفضل منه وكرم وهذا من أعظم النعم خاصة عندما ترى غيرك قد ذهب في طرق الغواية والبعد عن الله.
• قال بعض العارفين: ما فرح أحد بغير الله إلا لغفلته عن الله، فالغافل يفرح بلهوه وهواه، والعاقل يفرح بمولاه.
وإن العيد على مر العصور كان معروفاً عند الأمم وعند الجاهلية خاصة ففي الحديث:
• عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ((كان لأهلِ الجاهليَّةِ يومان في كلِّ سنةٍ يلعبون فيهما، فلمَّا قدِم النَّبيُّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - المدينةَ قال: كان لكم يومان تلعبون فيهما وقد أبدلكما اللهُ بهما خيرًا منهما، يومُ الفطرِ ويومُ الأضحَى)) صحيح.
• هذا الأمر لم تنفك عنه أمة من الأمم وهي استراحة في السنة يظهر فيها المرء السرور والفرح ويرمي بالدنيا خلف ظهره.
• وإن الإسلام لا يخالف أمراً فطرياً وإنما يضعه في ميزانه الحقيقي فلا يخالف مبدأ ولا ينتهك حقوق ولا يسير بالإنسان إلى خلق ذميم.
• وقد جعل عيدنا أهل الإسلام مرتبط بالعبادة فهو حقيقة شكر على إكمال ركنين من أركان الإسلام الصيام والحج فهو ضيافة الرحمن لعباد الرحمن يظهرون فيه الشكر والحب والصلة والود.
• فالجاهلية إنما كان العيد إبراز للهو والمجون ومبارزة الرحمن بالمعاصي ومفاخرة بها كسر لقلوب أهل الفقر والمسكنة فلما كان مثل هذا استبدل هذا العوار بخير ما فيه صلاح للفرد خاصة وللعامة عامة.
• ومن جعل العيد فرصة لإظهار ما حرم الله فهو لا يزال يخوض في طينية الجاهلية العفن وتراثها البائد.
ولا يعني ذلك أنه لا يظهر الفرح والمرح والسرور ففي الحديث عن عائشة قالت: ((دخل عليَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وعِندِي جاريتانِ، تُغَنِّيانِ بِغِناءِ بُعاثَ: فاضطجع على الفِراشِ وحوَّل وجهَه، ودخل أبو بكرٍ فانْتَهَرَنِي، وقال: مِزْمارةُ الشيطانِ عِند النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فأقبل عليه رسولُ اللهِ عليه السلامُ فقال: دعْهُما. فلمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فخرَجَتا. وكان يومَ عيدٍ، يلعبُ السُّودانُ بالدَّرَقِ والحِرابِ، فإمَّا سألتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وإمَّا قال: تشتهينَ تنظُرينَ. فقلتُ: نَعَمْ، فأقامَني وَرَاءَهُ، خَدِّي علَى خَدِّهِ، وهو يقولُ: دونَكم يا بَنِي أَرْفِدَةَ. حتَّى إذا مَلِلْتُ، قال: حَسْبُكِ. قلتُ: نَعَمْ، قال: فاذهبي)) البخاري.
• من هذا يعلم أن العيد فيه جواز إقامة المرح البري الذي ليس فيه خروج عن حدود الشرع والآداب.
• فمن كان مقامه لا يسع مثل هذا المرح فليس هذا يعني التحجير على الآخرين فإنه يسعهم.
• وانظر إلى حسن رعاية النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة بحكم سنها ليستقر في أذهاننا أن هذا الإسلام دين يراعي كل الفئات ليكون الإسلام قريب من القلوب، والعيد فرحة لا تكتمل إلا عندما يلامس المشاعر على الوجه المطلوب حساً ومعناً.
ولفهم معنى العيد:
قال العلامة ابن عابدين – رحمه الله -: " سُمي العيد بهذا الاسم ؛ لأن لله تعالى فيه عوائد الاحسان، أي: أنواع الاحسان العائدة على عباده في كل يوم، منها: الفطر بعد المنع عن الطعام، وصدقة الفطر..... ولأن العادة فيه الفرح والسرور والنشاط والحبور" ( حاشية ابن عابدين 165 / 2 ).
والمغنى أن لله مواسم يعطي فيها أكثر مما يعطي في غيرها ليس للمرء فضل فيها بل الفضل لله الكريم المنان وفي العيد عودة إلى فضل الله وزيادة في الخير من أكل المطعوم ولبس الجديد ومواساة الفقير.
ولأن العيد مقترن بالفرح والسرور جعل الله لنا باباً من الخير بالتوسعة على العيال والفقراء حساً بالطعام ومعناً بزيارة الأقارب وصلة الأرحام.
وعسى أن يكون العيد عودة لنا من المعصية إلى الطاعة ومن البعد إلى القرب من الله ومن قسوة القلوب إلى قلب رحيم عطوف على كل ذي قربى ورحم.
والعيد ضيافة الرحمن ومائدته فمن العيب أن تعصى صاحب الضيافة وانت على مائدته وتأكل من خيره وليس لك والمقام هذا إلا أن تحمد المنعم وتشكر الباري.
عباد الله:
إن في العيد مشاعر تختلف عن ما تجده أنت وأبنائك فقد يكون:
• جار مريض لم يسكنه مرضه فلم يجد حلاوة العيد
• أو قريبة قد فقدت عزيزاً فلم تجد للعيد طعماً
• أو أم اشتاقت نفوس أبنائها للذهاب إلى المصلى برفقة أبيهم:
فرنت إليهم في أسًى
واغرورقت منها العيون
العيد ليس لكم أحبَّ
ائي فوالدكم سجين
• كل هؤلاء أليس لهم حق عليك ولو بكلمة طيبة أو مد يد العون إليهم، فهم كما قال المتنبي حيث يصور مأساته:
عيدٌ بأيّةِ حالٍ جِئْتَ يا عيدُ
بما مضى أم بأمْرٍ فيكَ تجديدُ
أمّا الأحِبة فالبيداءُ دونَهم
فليت دونك بيداً دونهم بيدُ
• لكن أهل الإسلام والتقوى كم جبروا كسراً وأقالوا عثرة وليتنا نفعل ذلك في العيد فإن للعيد وقعه الخاص على النفوس.
ولو أردنا أن نعرف العيد من زاوية أخرى فاسمع ما قال:
الحسن البصري قال: كل يوم لا يُعصى الله فيه: فهو عيد كل يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه و ذكره و شكره: فهو له عيد.
• ولهذا الكلام أمور منها أن الدنيا كلها إنما وضع فيها المؤمن ليتخذها مطية إلى طاعة الله ونيل رضاه فمتى أدرك العبودية فيها فقد أدرك فرحها وسعادتها وسرورها.
• ما قيمة العيد وربنا علينا غضبان.
• ما قيمة العيد ونحن لم نقدم عملاً صالحاً.
• ما قيمة العيد وأنا وأنت في معصية وبعد عن الله عز وجل.
• إن العبد المؤمن ليجد من حلاوة الإيمان ما يجعله متعلقاً بربه موصولاً بأخرته بحبل الطاعة الذي أوله في الدنيا وآخره في الفردوس الأعلى.
• وقد قيل: ((من أراد معرفة أخلاق الأمة فليراقبها في أعيادها)).
أقول ما سمعتم وأستغفر الله إن الله غفور رحيم.
♦♦♦♦
الخطبة الثانية
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك نحمدك ربنا ونشكرك على جزيل عطاياك وكثير إحسانك. والصلاة والسلام على خير البرية صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً مباركاً فيه.
وبعد:
إن في العيد قضايا يمكن أن نوجزها في مسائل أربع:
أولاً: العيد عبادة وطاعة فلا يحل لأحد أن يرتكب فيه ما حرم الله بحجة التوسعة والفرح فإن المؤمن لا يفرح بمعصية.
ثانياً: تغمدنا الله برحمته في رمضان فأصبحنا في صيام وصلاة وقيام وقراءة القرآن فلا نهدم ولا ننقض ما تعاهدنا به مع ربنا.
قيل لبشر - رحمه الله - إن قوما يتعبدون ويجتهدون في رمضان، فقال: بئس القوم لا يعرفون لله حقا إلا في شهر رمضان، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها.
ثالثاً: إذا لم نصل الرحم ونمتنع عن الكبائر ونقيم الدين في انفسنا وفيمن حولنا فنعزي أنفسنا في رمضان الذي ذهب ولم نقطف أعظم ثمراته ألا وهو التقو.
رابعاً: لنفتح كلنا جميعاً صفحة جديدة مع الله والناس، مع الله بطاعته ومع الناس بحسن خلق، صفحة نجعلها بيضاء نقية نتشرف بها يوم نلقى ربنا فتكون نور الصحائف على نور العقائد فتبيض الوجوه يوم يخسر المبطل ويحق الحق.
اللهم كما بلغتنا رمضان ورزقتنا فيه الصيام والقيام فضلا منك ورحمه فتقبله منا واعف عن تقصيرنا فيه.
اللهم لك الحمد على جزيل عطاياك فاجعله في هذا العيد أعظمها، ومن الخير كله لا تحرمنا.
اللهم إن لك عتقاء من النار اللهم اجعلنا منهم يا أرحم الراحمين.
اللهم لا تجعلنا من الذين يقولون ما لا يفعلون واجعل لنا ربنا من أمرنا رشداً.
اللهم اجعلنا من عبادك العاملين الصادقين الموفون بعهدهم إذا عاهدوا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين واحم حوزة الدين وادحر الكفرة والمشركين واجعلنا من عبادك الموحدين.
اللهم احفظ علينا أمننا وإيماننا واحفظ جميع بلاد المسلمين من كل معتد أثيم.
﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/97631/#ixzz4PR2GS8hK