top of page

خطبة عن ذكر الله

الخطبة الأولى

الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب، أرسل الريـاح بشرى بين يدى رحمته وأجرى بفضله السحاب، جـعل الليل والنهار خلفة فتذكر أولوا الألباب.

نحمده تبارك وتعالى على المسببات و الأسباب، ونسأله السلامة من العذاب وسوء الحساب، وأشهد أن لا إله إلا الله العزيز الوهاب، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب.

وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المستغفر التواب، قدوة الأمم وقمة الهمم ودرة المقربين والأحباب، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله والأصحاب، ما هبت الرياح بالبشرى وجرى بالخير السحاب. خير من صلى وصام وذكر الله وعبد.

أما بعد:

فإن من أحب شيئاً أكثر من ذكره فمن أحب الله وقرة عينه به لهج بذكره ولم يفتر لسانه عن ذكره وهذا مقام العارفين بالله.

والذكر يلازم العبد المؤمن في كل شؤون حياته وفي كل أحواله قياما وقعودا في حالة الصحة والمرض في الليل والنهار فهو لله ولا يستغني عن الله.

بالذكر يميز الله المؤمن عن المنافق فإنهم لا يذكرون الله إلا قليلا.

وبالذكر تعظم ربك وتدخل على قلبك ألوان من السعادة التي لا يعرفها إلا من جعل حلاوة الذكر أنيسه وصاحبه.

ويمتدح الله ذكره في آيات كريمات ويعطي المكانة العظيمة لذكره حتى يقبل أهل الإيمان عليه فينشأ الود بين المؤمن وربه.

الآيات الواردة في فضل ذكر الله:

1- قال تعالى: ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45]

أ- العبادات وإن كان لها المقام العظيم لكن أعظم ما فيها هو ذكر الله عز وجل

ب - قراءة القرآن وإقام الصلاة أمرين عظيمين وما فيهما من إقامة ذكر الله أعظم

ج - ولأن ذكر الله أعظم فإنه من أجل ما يمتنع به عن المعاصي والآثام

د- ذكرك لله وإن كان عظيما لكن ذكره لك بالرحمة والمغفرة أعظم فأنت فقير والله هو الغني الحميد.

2- قال تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]

أ- من أطاع الله فقد ذكره ذكراً حقيقياً والله لا يضيع أجر المحسنين فيعطيه الله من الرحمات والفضل أعظم مما قدم

ب - ومن تشبث بالذكر فقد أدرك النجاة، فالقلب الذي معلق بذكره له من الله سعادة في الدنيا وانشراح وفي الآخرة النجاة والفلاح.

ج - من كان مع الذكر كان الله معه فلا يهتم بعد ما فاته

د - والذكر باللسان نطقاً وبالقلب تفكراً واعترافاً وبالجوارح عملاً وانكساراً.

3- قال تعالى ﴿ وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [الأعراف205]

أ- تذكره في نفسك بالقلب الموقن بعظمة الباري عز وجل.

ب - تذكره وانت في حال ضراعة فالمقام الأعظم للعبد أن يذل لربه ذلاً يحقق معنى العبودية.

ج - تذكره خفية لينمو مادة الإخلاص وتنطفئ مادة الرياء.

د - تذكره في كل مكان وزمان ومع تغير الأحوال فالمؤمن لا يعرف إلا ربه وليس له سواه.

4- قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأنفال 45]

أ- إن الله ليحب أن يكون عبده المؤمن في معيته على كل حال.

ب - وفي البأس والقتال أشد ما يكون المرء فيه من الافتقار فليس له إلا الغني المنان فكان الذكر من أعظم العبادات حال النزال.

ج - وبالذكر والحال هذه يكون الفرج والنصر والتمكين وإن ضعفت الأسباب وقل العتاد.

د- وعند التوافق بين لسان ذاكرا وقلب ذاكرا يحصل مادة النهاية الموعودة من الله نصر أو شهادة.

أما ما ورد عن سيد المرسلين وإمام الذاكرين صلى الله عليه وسلم في هذا الباب فاليكم جملة من الأحاديث.

الأحاديث الواردة في فضل الذكر:

1- أحب إلي مما طلعت عليه الشمس.

1- قال صلى الله عليه وسلم ((لأن أقولَ: سبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ ولا إله إلا اللهُ واللهُ أكبرُ، أحبُّ إليَّ مما طلعتْ عليه الشمسُ)) الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم- المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2695.

أ- لأن يتقبل الله منك حسنه لهو خير لك مما ملكت وتملك ومما ستملك.

ب - لأن ما تملكه عرض زائل فليس لك منه إلا ما أطعت الله فيه وأما ما بقي فإن كان حلال فحساب وإن كان حرام فعقاب.

ج - أما ذكر الله فهو رصيدك الباقي وشفيعك يوم الحساب ومنجاتك من العقاب.

د - فالحياة الدنيا وما فيها ليس لها ميزان مقابل أن يتقبل الله منك ذكرك.

2- مثل الحي والميت

2- قال صلى الله عليه وسلم ((مثلُ الَّذي يذكُرُ ربَّه والَّذي لا يذكُرُ ربَّه مثلُ الحيِّ والميِّتِ))

الراوي: أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6407.

أ - التمثيل فيه قوة بيان المعاني عن طريق المحسوسات فينزل التصور المعنوي مكانه المعتبر.

ب - وجه الشبه أن الميت لا ينتفع منه بخير وكذلك من لم يذكر الله غفل قلبه ومات فلا يصدر عنه خير.

ج - فإن ذكر الله اطمئن ودبت فيه الحياة التي هي غذاء القلب وحياة الجسد

د - وإن ما يلين القلب القاسي مداومة ذكر الله وإن في تركه ما يقسّيه حتى يكون كالحجارة أو أشد قسوة.

أسأل الله أن يجعلنا من الذاكرين الشاكرين وأن يلحقنا بسيد المرسلين أقول ما سمعتم واستغفروا الله إن الله غفور رحيم.

• • •

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أعطى الذاكرين حسن الثواب وجعل لهم حسن المئاب ورفع ذكرهم إلى يوم المعاد أحمده حمد الذاكرين الشاكرين المنيبين.

واصلي وأسلم على أشرف الذاكرين وسيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه الكرام الطيبين.

أما بعد: فاستكمالاً لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في ترغيبه في الذكر:

3- سبق المفردون

3- ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يسيرُ في طريقِ مكةَ. فمرَّ على جبلٍ يُقالُ له جُمْدانُ. فقال سِيروا. هذا جُمْدانُ. سبقَ المُفرِّدونَ قالوا: وما المُفَرِّدونَ؟ يا رسولَ اللهِ! قال الذَّاكرون اللهَ كثيرًا، والذَّاكراتُ).

الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم- المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2676.

أ- من أعظم عبوديات القلب ذكر الله لما ينتج عن ذلك من خشية وإنابة وخضوع وتوكل وحب وغيرها من عبوديات القلب.

ب - فمن لازم الذكر انفرد عن أقرانه قرباً من الله عز وجل.

ج - والذكر فيه ملازمة بين الأحبة وأنس فمن أكثر من ذكر الله آنسه الله من كل وحشة واصبح كمال أنسه انفراده بذكره.

د - فكأنه يقول صلى الله عليه وسلم هذا جبل جمدان ذاكراً لله فلا يغلبنكم جماد على ذكر الله.

4- لا يزال لسانك رطباً.

4- ((أنَّ رجلًا قال يا رسولَ اللهِ إنَّ شرائعَ الإسلامِ قد كثُرت عليَّ فأخبِرني بشيءٍ أتشبَّثُ به قال: لا يزالُ لسانُك رطبًا من ذكرِ اللهِ)).

الراوي: عبدالله بن بسر المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3375

أ- الأعرابي يطلب اليسر فأعطاه المصطفى صلى الله عليه وسلم اليسر مع الكثرة وهذا النصح والأمانة

ب - وأرشده إلى مداومته على الذكر برطوبة اللسان التي لا تنفك عنه فأكنه يقول لسانك رطب طبعي فأجعله رطباً معنوي بمداومة الذكر.

ج - وبهذه المداومة لك من الله عظيم الأجر وجزيل الثواب رحمة وكرم من الرحيم المنان.

د - فالله يسد خلل وضعف العبد عن العبادة بفيض كرمه وجوده.

خاتمة الخطبة:

اللَّهُمَّ؛ يَا ذَا الْحَبْلِ الشَّدِيدِ، وَالْأَمْرِ الرَّشِيدِ.. نسْأَلُكَ الْأَمْنَ يَوْمَ الْوَعِيدِ، وَالْجَنَّةَ يَوْمَ الْخُلُودِ، مَعَ الْمُقَرَّبِينَ الشُّهُودِ، الرُّكَّعِ السُّجُودِ، الْمُوفِينَ بِالْعُهُودِ، إِنَّكَ رَحِيمٌ وَدُودٌ، وَأَنْتَ تَفْعَلُ مَا تُرِيدُ.

اللَّهُمَّ؛ إِنِّا نَسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تَهْدِي بِهَا قَلْوبنا، وَتَجْمَعُ بِهَا أَمْرِنا، وَتَلُمُّ بِهَا شَعَثِنا، وَتُصْلِحُ بِهَا غَائِبِنا، وَتَرْفَعُ بِهَا شَاهِدِن، وَتُزَكِّي بِهَا عَمَلِنا، وَتُلْهِمُنِا بِهَا رُشْدِنا، وَتَرُدُّ بِهَا أُلْفَتِنا، وَتَعْصِمُنِا بِهَا مِنْ كُلِّ سُوء.

هذا وصلُّوا - رحمكم الله - على خيرِ البرية، وأزكى البشرية: محمد بن عبد الله، صاحبِ الحوض والشفاعة؛ فقد أمركم الله بأمرٍ بدأَ فيه بنفسِه، وثنَّى بملائِكتِه المُسبِّحة بقُدسِه، وثلث بكم - أيها المؤمنون من جنه وأنسه-، فقال - جل وعلا -:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ صاحبِ الوجهِ الأنور، والجَبين الأزهَر، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك محمدٍ صلى الله عليه وسلم -، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الشركَ والمشركين، اللهم انصُر دينَكَ وكتابَكَ وسُنَّةَ نبيِّك وعبادَكَ المؤمنين.

اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين، ونفِّس كربَ المكرُوبِين، واقضِ الدَّيْنَ عن المَدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].

سبحان ربِّنا رب العزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/97691/#ixzz4PR20CEln

مواد نصية أخرى
تابع الجديد
  • Facebook Basic Square
  • Twitter Basic Square
  • Google+ Basic Square
bottom of page