top of page

خطبة عن صلاة الفجر


المقدمة:

الحمد لله الذي فرض علينا الصلاة، وجعلها لأهل الإيمان نوراً وضياءً.

الحمد لله الذي جعل لنا الليل لباساً والنهار معاشاً.

سبحانه يكلف بالقليل، ويجزى بالجزيل، ويعفو عن المذنبين ويجزي المحسنين.

نحمده تبارك وتعالى ونسأله التوفيق والسداد والرشد واليقين.

والصلاة والسلام على إمام المتقين وسيد المرسلين وخير خلقه أجمعين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، أما بعد:

الخطبة الأولى

فهذا خطاب من الباري إلى البرية، ليوقظ فيها نور الفطرة ويشعل جذوة الإيمان، ومن أحسن من الله قيلا قال سبحانه: ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ [الإسراء: 78].

• لماذا هذه الخصوصية والمنحة الربانية لصلاة الفجر دون غيرها؟

• والجواب عند كل مؤمن فنحن نعظم ما عظم الله، ويكفي اصطفاء الله ففيه الخير كله، ولكن نتلمس من ذلك على طريق الهدى، أن هذه الصلاة تجديد العهد والعقد مع الله في بداية يوم قد يكون هو آخر يوم في حياتك أو حياتي أو حياتهم. إنها الانكسار والذل الصباحي الذي يحي العبودية في نفوس أهل الإيمان فتبقى الصلاة والصلة بينهم وبين خالقهم.

إنها حلالة العقد التي نفث فيها الشيطان بريق خبيث وقول مقيت: ( نم عليك ليل طويل ) قال صلى الله عليه وسلم: (يَعقِدُ الشَّيطانُ عَلى قافيَةِ رأسِ أَحدِكُم إذا هوَ نام ثَلاثَ عُقدٍ، يَضرِبُ كلَّ عُقدةٍ مَكانَها: عليكَ ليلٌ طويلٌ فارقُدْ، فإنِ استَيقظَ فذَكَر اللهَ انحلَّت عُقدةٌ، فإن تَوضَّأ انحلَّت عُقدةٌ، فإن صلَّى انحلَّت عُقدُه كلُّها، فأَصبحَ نَشيطًا طيِّبَ النَّفسِ، وإلَّا أَصبحَ خَبيثَ النَّفسِ كَسلانَ) رواه البخاري.

ثلاث نفات شيطانية يقابلها ثلاث تعويذات ربانية: أما الأولى: فذكر الله الذي يوقظ قلب الغافل ويخنس معه الشيطان وأما الثانية: فصب الماء الطهور على الجسد الطاهر فيطفئ حرارة عبث الشيطان، وينشط الجسم ويفتح أبواب الرحمات، فإن سار إلى المسجد وصف قدميه مع عباد الرحمن خلص القلب من الشيطان فكان من أولياء الرحمن.

• وفي تأملات نبوية ولحظات تهفو قلوب الصحابة لسماع قول خير الأنام الصادق المصدوق قال بعد أن نظر إلى القمر ليلة أربعة عشر: ( إنكم ستَرَونَ رَبَّكُم، كما ترَونَ هذا القمرَ، لا تُضامُّونَ في رؤيتِهِ، فإنِ استَطَعتُم أنْ لا تُغلبوا علَى صلاةٍ قبل طُلوعِ الشمسِ وقبل غُروبِها فافعَلوا. ثم قرأ: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ ﴾[ البخاري].

• من غلبته شهوته، وكسرته سكرة النوم فارتضى لنفسه مضاجعة الشيطان، وصم أذنه عن صوت الرحمن عوقب بالحرمان.

ففي الحديث إشارة حكمية لطيفة، ألا فمن تحرر من قيد شهوته فطهر قلبه بالذكر وغسل بدنه بماء الطهر ومرغ أنفه ذلة لله استحق رؤية خالقه، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.

• بشرى لأهل صلاة الفجر من فم المصطفى قد سمعها من حضر ويسمعها من غاب إلى يوم القيامة قال صلى الله عليه وسلم: (بشِّرِ المَشَّائين في الظُّلَمِ إلى المساجدِ بالنُّورِ التَّامِّ يومَ القيامةِ) حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي.

• هل جزاء الإحسان إلا الإحسان، سرت في ظلام الدنيا يبدله الله لك نوراً يوم القيامة، فأنت متعبد بالسير في الظلم وإن لم تبلغ التمام، والله متفضل بالنور التام لأن الله عظيم فلا يلحقه نقص ولا عيب، ومن قيدته قيود المعصية وآثر ونام عن صلاة الظلم فليس له نور: (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ).

• وهنا قيد وشرط لتتحقق بشرى الهدى والفلاح ألا وهو ( المشائين) ليس مرة ولا اثنتين بل عبادة وسعي في طاعة الله، فكل يوم تشق فيه ظلام الدنيا يرصد الله لك مقابله نوراً للآخرة حتى تمشي في ظلام الدنيا وأنت على نور وتلقى الله وقد أتم لك النور، وهي اشارة الى صلاة الجماعة فلا تكون البشرى لمتخلفي صلاة الجماعة بلا عذر.

• وإن المؤمن يمشي في الأرض بنور بصيرته لا بنور بصره، فكم من أعمى البصر نير البصيرة لحق بمواكب المشائين وكم من بصير نظر أعمى البصيرة لحق بركب البطالين الذين قال عنهم صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أثقلَ الصَّلاةِ على المنافقين صلاةُ العشاءِ والفجرِ ولو يعلمون ما فيهما لأتوْهما ولو حبوًا) صحيح.

• ويوكل الله تكريماً لصلاتي الصبح والعصر ملائكة تشهد هاتين الصلاتين فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يتعاقبون فيكم: ملائكةٌ بالليلِ وملائكةٌ بالنَّهارِ، ويجتمِعون في صلاةِ العصرِ وصلاةِ الفجرِ، ثم يعرجُ الذين باتوا فيكم، فيسألُهم، وهو أعلمُ بهم، كيف تركتُم عبادي ؟ فيقولون: تركناهم وهم يُصلُّونَ، وأتيناهم وهم يُصلُّونَ) متفق عليه.

• انظر إلى السؤال ما أخطره واجسمه وأعظمه لأنه من الرب العظيم الحليم غفار جبار المنتقم.

• تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهو يصلون وهناك رواية: فاغفر لهم يوم الدين، تدعوا الملائكة وتتشفع عند ربها لأهل صلاة البردين أن يتغمدهم الله برحمة.

• فماذا عن تركناهم وهم نائمون وأتيناهم وهم نائمون، أما يستحي العبد من الله أن ينام والله يطلبه والمساجد تفتقره وهو متقلب متمرغ في نعمة الله.

• والرعاية الربانية الخاصة بل خاصة الخاصة لأهل صلاة الفجر فعن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاةَ الصبحِ فهو في ذمةِ اللهِ. فلا يطلبنَّكم اللهُ من ذمتِه بشيٍء. فإنَّهُ من يطلبُه من ذمتِه بشيٍء يُدركُه. ثم يكبُّه على وجهِه في نارِ جهنمَ ) مسلم

• والمعنى يحتمل أمرين وكلاهما صحيح:

الأول: أن من صلى الصبح في جماعة فهو في أمان الله وضمانه فما أذاه من أحد إلا انتقم الله له.

الثاني: أن من ترك صلاة الصبح انتقض عهده الذي بينه وبين الله والله يدركه فيكبه في النار.

• فمن قام يطلب الرزق وقد نقض عهده مع الله لم يعطه، فلا ينال من عند الله بمعصيته، وإن أعطاه لم يبارك له، ومضى يومه وهو لا يجد راحة النفس ولا سداد الرأي لأنه خبيث النفس كسلان.

• الصلاة خير من النوم:

هذه الجملة التي تحمل معاني الإعجاز الشرعي، يرصد لها الشيطان حتى لا تصل إلى سمع نائم فيفعل فعلة خبيثة ففي الحديث: (ذُكِر عِندَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلٌ نام ليلةً حتى أصبَحَ، قال: ذاك رجلٌ بال الشيطانُ في أذُنَيه، أو قال: في أذُنِه. ) البخاري ومسلم.

• وهنا كناية عن الاستعلاء والاستخفاف بهذا النائم، والسيطرة عليه حتى ارتقى هذا المرتقى فغطه فلم يستيقظ حتى أصبح فالصلاة خير من النوم لأنها تسقط علو الشيطان وتظهر طاعة الرحمن.

• ولجملة الصلاة خير من النوم جانب إعجازي علمي بديع: ففي مؤتمر توقيت الأمراض وجد أن معظم جلطات المخ والقلب تحدث إذا نام الشخص ولم يستيقظ حتى الساعة الثامنة صباحاً حيث هناك مواد في الدم تصل أعلى مستوى لها ما بين الساعة السابعة صباحاً إلى الثامنة وهذا تسد الشرايين وبالاستيقاظ قبل الساعة السابعة يعيد الاستيقاظ هذه المواد إلى حالة الصفر فالصلاة خير من النوم شرعاً وصحة وإعجازاً.

أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم إنه غفور رحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي جعل لنا الصلوات نوراً، وجعل لنا القرآن دستوراً، واهدنا إلى الصراط المستقيم والصلاة والسلام على إمام المتقين وسيد المرسلين وبعد:

فهذه أربع رسائل ينبي عليها عماد هذه الصلاة:

الأولى: صلاة الصبح هي في الحقيقة كاشفة عن الرصيد الإيماني الذي يحمله المرء، فهي مقياس الخيرية العظيمة في الرجل، وهو بهذا نرجو له خاتمة الخير وإن كان هناك تقصير أو تفريط.

الثانية: النوم إحدى الموتتين وقد لا يقوم الإنسان منه إلا وهو بين يدي رب العالمين، وقد عصاه في أعظم ما أمره به، فكيف يكون الجواب ؟ وما هو المنجا من هذا الموقف العصيب ؟.

الثالثة: لا يقبل الله عباده مؤقته لمن أخرجها عن وقتها متعمداً بلا عذر، فلسنا نحن الذين نحدد زمن العبادات، فما يقبله الله منك في زمن لا يقبله منك أبداً في زمن آخر.

الرابعة: الجيل الذي لا يتربى على صلاة الفجر ليس له سعادة في الدنيا ولا فلاح في الآخرة، ولا نرجوا منه بناء ولا عطاء، فإن من هدم ونقض عهده مع الله فإنه لا يبني مجداً لأمة الإسلام.

الدعاء:

• ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب وأصلح اللهم أحوالنا في الأمور كلها وبلغنا بما يرضيك أمالنا واختم بالصالحات أعمالنا.

• اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى نحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق.

• اللهم أجعلنا من المصلين الذين هم على صلاتهم حافظون.

• اللهم أرزقنا الاستقامة على دينك والعمل بكتابك وسنة نبيك.

• اللهم إنا نسألك لولاة أمورنا الصلاح والسداد اللهم كن لهم عونا وخذ بأيديهم إلى الحق والصواب والسداد والرشاد ووفقهم للعمل لما فيه رضاك وما فيه صالح العباد والبلاد.

• اللهم اعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا واكرمنا ولا تهنا وآثرنا ولاتؤثر علينا.

• سبحان ربِّنا رب العزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

رابط الموضوع على شبكة الألوكة

http://www.alukah.net/sharia/0/123954/#ixzz52NiQQLNM

مواد نصية أخرى
تابع الجديد
  • Facebook Basic Square
  • Twitter Basic Square
  • Google+ Basic Square
bottom of page